السبت، ٧ يونيو ٢٠٠٨

رحلة واشنطن 1

بالتيمور .. وأعراسُ البحار
1417هـ / 1997م




لا أَدْرِيْ لمَاذَا تَسْتَعْصِيْ رِحْلَةُ وَاشُنطُنَ عَلَى ذَاكِرَتِيْ وَقَلَمِيْ ,

وَلا أَدْرِيْ فِيْ الوَقتِ نَفْسِهِ لِمَاذَا تُلِحُّ أَحْدَاثُهَا المُتَفَرّقَةُ عَلَيّ بِالظُّهُورِ ..

واشنطن
واشنطن دي سي هي عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية , وترمز الحروف D.C إلى District of Columbia أو قطاع كولومبيا . وهو قطاعٌ اتحادي (فيدرالي) تحت سلطة الحكومة الفيدرالية مباشرة , وليس تحت أي ولاية من الولايتين : ماريلاند وفرجينيا الأمريكيتين اللتين يقع عليهما هذا القطاع .


قبل السفر
قبل السفر إلى واشنطن هاتفت إحدى قريباتي , وقد كانت تسكن في ولاية ماريلاند , لأسألها عن مدينة بالتيمور فلقد عقدنا الأمر على زيارتها قبل أن نتوجه إلى واشنطن . نبهتني قريبتي إلى أمر ينبغي الانتباه له , وهو منطقة وسط المدينة ؛ حيث يجب أن يحتاط فيها المرء من عصابات السرقة . هذا التنبيه نفسه قد واجهته بالفعل في وسط مدينة بالتيمور ؛ فلقد لحظت أن مواقف السيارات قد امتلأت بالملصقات التي تؤكد خلو مسؤوليتها عن محتويات السيارة , وتنبه إلى إغلاق المركبات قبل مغادرتها . الأمر الذي لم أواجهه في كثير من الولايات ...
ألهذه الدرجة ينعدم الأمن في بالتيمور ؟


"داون تاون" بالتيمور
وفي الحقيقة أن منطقة وسط مدينة بالتيمور كأي منطقة " وسط مدينة " - أو كما يسميها الأمريكيون " داون تاون " - تتكاثر فيها الأبنية الشاهقة الارتفاع , بحيث تضيق الشوارع والطرق بينها , فتشعر حين تمر في أوسع الطرق بأنك في زقاق أو سكة ..
وإنك حين تتجول فيها أوقات العمل لا ترى حولك إلا أشخاصا دائبي الحركة بهندامهم الرسمي وحقائب العمل , يمشون بهمة , لا يلتفتون ولا يأبهون بالطريق . تتأكد في صورتهم تلك روتينية الحركة , وتقرأ في هيئة أحدهم أن العمل قد ركِبه على رأسه , وفاض حتى وصل أخمص قدميه . أو تحسب أن أحدهم يسير نحو موعدٍ هامٍ أو اجتماع , وفي كل حين يرفع ساعده , وينفض قميصه , ويلف معصمه لتظهر ساعة يده تخبره أنك في الموعد أو قد تأخرت ..
في مثل تلك المناطق يندر أن ترى فئتين من الناس , هما : الأطفال والشيوخ !



حوض بالتيمور المائي
في ضحى يومنا في بالتيمور , توجهنا إلى الحوض المائي Maryland Aquarium وهو يمثل مكانا أشبه بحديقة حيوان لكنه للأحياء المائية .. كان يتطلب وصولنا إلى هذا الحوض أن نوقف السيارة في مواقف عامة . وعند مغادرتنا تأكدنا مرارا أن السيارة لا تحوي شيئا من أدواتنا الثمينة , ثم تأكدنا تكرارا أنها محكمة الإغلاق , ثم توجهنا إلى حيث يقع هذا الحوض .
وخلال سيرنا مررنا بمجمع ضخم جدا متعدد الأبنية , اتضح لنا أنه مركز المدينة للمؤتمرات كعادة كثير من المدن الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية حيث يشتمل وسط المدينة عادة على مركز ضخم للمؤتمرات والمناسبات ..
جاوزنا المركز ثم واصلنا السير حتى وصلنا إلى الحوض المائي .
عَالَمُ أَعْرَاسٍ
إن كنت أملُّ من زيارة حديقة الحيوانات , فإني لا أمل أبدا الأحواضَ المائية , حيث اكتشف هنالك عالما آخر من الحياة يزخر بالأسرار , ويزهو بالألوان والأشكال , ويتدثر بأعاجيب خلق الله في الأسماك وغيرها من المخلوقات ..
ومن أعجب ما أرى في مثل هذه الأحواض : الأسماكُ مختلفةُ الأحجام والألوان والنقوش . قد تعجز الحروف والكلمات عن وصف جمال هذه الأسماك حين تزين أحواضها بأبدع الأنواع والأشكال ؛ فمن أسماك مخططةٍ إلى أسماك منقّطةٍ إلى متموجةٍ , وألوانها من أعجب الألوان وأزهاها وأنقعها .
جمالٌ يأخذ باللبِّ ويبهرُ البصرَ , حتى ليخيل إلى الناظر أن هذه الأسماك ما هي إلا فتيات الأعراس يختلن بأثواب المناسبات الملونة المزركشة .
لقد كِدت أُقسِم أن صنّاع أقمشة " الهوت الكوتور" ما جاؤوا بشيء من تلقاء أنفسهم , وإنما غاية ما فعلوه أنهم تعقّبوا هذه الأسماك البديعة , ثم قلّدوا بديع صنع الله فيها ..
ما بين ألوان ناقعة مخملية إلى ألوان زاهية فسفورية ..
وللنباتات حولها قصة أخرى ..
ربما كانت منصات العرائس تحاكيها ,
ولكن هيهات فالفرق في الإتقان والجمال بينهما أبعد مما بين المشرقين ..

وترى الأسماك مختلفة التقاطيع ,
وتنظر في إحداها لترى في تقاطيعها ما يمكنك أن تقرأ فيها
مثل ما تقرؤه في وجوه البشر
من عبوسٍ أوانشراحٍ أوسذاجةٍ أودهاء .
إلا إنك لا تستطيع الجزم بأن هذه التقاطيع
تعكس مزاجيةٍ ما لدى السمكة
ارتبطت لديك عند رؤية هذه التقاطيع !
جيولوجيا
وفي موقع آخر خاص بالحياة الجيولوجية ترى عجبا , إذ صُمّم الموقع بطريقة تظهر معه أنواع الأحجار بأجمل ما تكون .
كان المدخل إلى جناح الأحجار الكريمة يشبه إلى حد كبير الدخول إلى مغارة سوداء معتمة ينبعث منها أضواء مركّزة محدودة الانتشار في مواقع متعددة . فقد أعد في صورة قاعةٍ مظلمة قد رُصِّعت بعدد كبير من الوحدات الزجاجية التي نسقت بعناية في نواحي متعددة , وزوّدت هذه الوحدات بنظام إضاءة متقن وبفن وحرفية عاليتين . ثم وُضع في كل وحدة زجاجية نوعا من الأحجار الكريمة على اختلاف أنواعها وأشكالها وتبلورها وألوانها , فما تملك حين تراها إلا أن تسبح كثيرا كثيرا .. ثم تتأمل بديع صنع الله في الجمادات بعد تأملك بديع صنعه في الأحياء .


ظلومٌ جهول
إننا إذ نظن أننا تربعنا على عرش الدنيا , ونظن أننا ملأناها حضارة وسكانا , نجهل غاية الجهل أن عوالم أخرى يجري فيها من عجيب صنع الله ما يجري , وأن مخلوقاتٍ في جوف البحار تكاد تتفوق في أصنافها ما يدب على صعيد الأرض .

فرس البحر , السمكة الكهربائية , أسراب السمك الصغير , أسماك القرش المفترسة , الأسماك الهلامية .. الأسماك الشفافة , جميعها ليست ضربا من الأساطير , وإنما هي وغيرها - كثير مما يبهر حقا - واقعٌ يختبئ في أعماق البحار .. "فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ" المؤمنون 14
"إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ" البقرة 164
إن قلبا مؤمنا وعقلا متفكرا ليزداد إيمانا بالله وشهادة بعظمته ووحدانيته سبحانه وتعالى , ثم يعلم علما يقينيا أن هذا الكون البديع ما كان باطلا أو عبثا . " الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" آل عمران 191

هذا الكون الذي جمّله الخالق ببديع الصنع , هو الكون الذي جمّله خالقه أيضا بشريعة الإسلام التي تجعل حياة الإنسانية فيه في أرقى صورها وأبهى مظهر لها وأجمله , والعاقبة في الدار الآخرة خير للمتقين , ولكن أكثر الناس لا يعلمون , وعن شرع الله معرضون , " يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ , أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ" الروم 7 -8

من بالتيمور , وعلى مقربة من عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية ما زلنا في طريقنا إلى مقصدنا الرئيس في الرحلة .. إلى واشنطن ,
فما كان الخبر هنالك ؟
لعلي أرجئه لتدوينة أخرى ..
ألم أقل ؟ .. كم تستعصي عليَّ واشنطن !

هناك تعليقان (٢):

غير معرف يقول...

ما شاء الله

الله يجعل كل رحلاتك طويلة وممتعة وخلابة
يا رب

الله ييسر أمرك

رحيل يقول...

الحبيبة ديمة

جزاكِ الله خيرا
ولا عدمتك حبيبتي : )