على ساحل الهادي في سان دييغو ..النخيل تعانق حرف المحيط

1418هـ / 1998م فاصل للحدود بين المكسيك والولايات المتحدة الأمريكية عند مدينة سان دييقو بكالفورنيا , الصورة منقولة عن ويكيميديا

صوبّنا نحو سان دييغو , نحو الجنوب ,

فقد كنا في لوس أنجلوس , وهي تقع شمال سان دييغو ,

وأردنا أن نلبي جزءا من الرغبة في زيارة المكسيك .

لما لم يسعفنا الوقت في زيارة المكسيك فضلنا أن لا يفوتنا أقل من حدودها على الأمريكية ...

وبينما كان يقود أبو عبدالله بنا سيارتنا جي إم سي سفاري , كنت أقوم بدوري في متابعة خريطة الطرق ...

وقد كاد الخط المرسوم فوق 70 W ( سفنتي ويست ) يشق الورقة لا الطريق لكثرة ما تتبعناه !

لقد كان خطنا الرئيس في رحلتنا البرية من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب في القارة الأمريكية !

وقد كانت أول وجهتنا في المدينة حديقة الحيوان , حيث نتجه في أغلب المدن ؛

فقد علمنا أن في سان دييغو حديقة حيوانات كبيرة ومفتوحة .

اشتدت الرغبة لدى أبي عبدالله بزيارتها فربما أعادت إليه شيئا من ذكريات كينيا وتنزانيا ,

ولم تكن رحلاته إلى هناك رحلات سفاري وتنفيس بل دعوة وتدريس ..

ولكنها لم تخلُ من مخاطرات سفاري كينيا !!

والحقيقة أنني لا أذكر عدد حدائق الحيوانات التي زرتها في العالم .. لقد كانت متعددة وكثيرة وفي أماكن متفرقة ..

ما أذكره منها , حدائق الحيوان في كل من :

الكويت , والقاهرة , وكنساس , وكولومبوس أوهايو , وسان دييغو ( مرورا سريعا ) , وسنسناتي , وأكواريوم واشنطن مريلاند , وقد كان من أجمل ما زرت , والطائف , وكوالالمبور وغيرها مما نسيته .

حدائق الحيوانات مبهجة وجميلة وتجربة مثيرة خاصة للأطفال ..

إلا إنها بالنسبة إليّ قد لا تكون كذلك في بعض الأحيان .
فتجدني أتذرع عنها بأي سبب ..
ولقد وجدت في سان دييغو السبب ..

حيث ازدادت خشيتي على الصغار من الوحوش بدون أقفاصها ..

وآثرت الانتظار خارج الحديقة ريثما يأخذ أبو عبدالله جولته ..

ثم إن ابننا الصغير قد ضيّع إحدى نعليه في السيارة ولم نجدهما فيها !

فكان ذلكم هو العذر الذي ما بعده عذر ..

اكتفيت بإطلالة عند مقر بيع التذاكر وما أحاط به من أقفاص للحيوانات ,

ثم عدت وجلست في الانتظار خارج الحديقة , وما لبث أن عاد أبو عبدالله بعد جولة خاطفة ..

فقد عجل نزهته واختصرها لكي لا نشعر بالضجر أنا وابنيّ وابنتي .
ثم يممنا نحو الساحل ........

وما أدراكم ما الساحل ؟!

إنه الطرف الغربي للعالم . هكذا نتصوره ..
كأننا مازلنا نتشبث بفكرة أن الأرض مسطحة ,

ونحن نعلم يقينا أنها ليست كذلك , ولكننا تعودنا النظر إلى الخريطة بذلك الوضع , وإلا فما يضير لو كانت اليابان هي وسط العالم فتكون أمريكا هي الشرق , ومكة هي العالم الغربي للكرة الأرضية ؟!
أسئلة جاهلة بالفلك والجغرافيا والاصطلاح كذلك ..

ولكن يبدو أن لهذه الوضعية الخرائطية مبرراتها الفلكية ..

تعمدنا أن نزور الساحل في وقت متأخر من النهار ..

كي لا يصادفنا ما نكره من مناظر بشرية ..

بامتداد الساحل الغربي ساحل سان دييغو .. عانقت عيناي الهادي أول مرة .........

كان طرف المحيط مهيبا , كأنما هو بركة شاسعة الأرجاء عميقة لا تدرّج فيها ..

هكذا بدا لي .. , وكانت أمواجُه بعظمته .. لم تكن هائجة ,

وإنما حتما تختلف عن مياه الخليج العربي , فهدوء الهادي (الباسيفيك) لدى الخليج عاصفة هوجاء ..

تسلل الضياء مودعا مدينة المحيط عند الغروب ..

جهة المحيط ...

ونخيل الساحل على امتداداه كأنما تلوّح بجريدها تشيّع شمس العالم إلى مثواها ..

لم تكن تدري أن شمس سان دييغو الهرمة هي شمس جزر هاواي الفتية ..

منظر أخاذ .. حين ترى الساحل وعلى امتداداه بيارق الطبيعة .. النخيل طويلة سامقة تزيد جلال المحيط جلالة ...... وتمنح الأجواء ساحرية منعشة ....... والقلوب إيناسا .

تلكم كانت لحظات المغيب ...

لقد أحببت ذلك المنظر جدا ...... .

أطبق الليل ... فطفقنا نبحث عن مكان لأداء الصلاة ....

فاتخذنا مكانا على الساحل .... عجبت له حقا ... وسعدت أنني وفقت للنزول إليه ......

وتمنت أمنية .... أن أزور ذلكم المكان ثانية واتخذ فيه سكنا قبالة المحيط أتأمله .....

ولا أظنني سأجيد وصفه وروعته ....

لقد كان مكانا هادئا جدا ........

هيء فيه بعض الساحل للجلوس على هيئة " كورنيش " ,

لم يكن ثمة أشخاص سوى القليل ......

المحيط بحجمه وعظمته وأمواجه الضخمة يعانق سيف القارة الأمريكية ...

وتزينه سلسلة كالقلادة من نخيل الجوز الباسقة جدا ......

وجوار السيف تماما وبعد امتداد يسير للشاطئ الرملي تجد هضبة حادة المقطع ... عالية الارتفاع ,

قد قبع على سفحها قصور وعمارات , تزينها أقراط الإنارة الصفراء بترتيب حاذق , ونوافذ واسعة وشرفات تقابل المحيط وتطل على المكان بكل ما يحمله من روعة وجمال .......

ياللجمال !

قضيت صلاتي ..... وأرسلت صبيتي وبنيتي يلعبون في تلك الأجواء الساحرة ..

بينما كنت أمتد بعنقي أرفعه لأتأمل روعة تلك المساكن وقد اتخذت إطلالتها الرائعة على المحيط وعلى نخيله .. واكتست هي كذلك بقلائد النخيل على سفح الهضبة ...
لقد حان وقت العودة إلى أوركيديا في لوس أنجليس ..

تنفست عميقا ..

تمنيت لو أن أبقى قليلا في سان دييغو ..

أو أن أعود لها مرة أخرى !