الأحد، ١ ربيع الأول ١٤٢٩ هـ

الجمال المرعب !

1423هـ / 2002م
الصورة موثّقة لموقعها كما هو موسوم .

الجمال المرعب ..
إن مر بي هذا الوصف , لا شك أنني سأتذكر كوكو بيتش ..
.............

بعد أن خرجنا من عالم البحار في جزيرة لنكاوي الماليزية .. كانت الظهيرة أشبه بوقت الأصيل المعتم ,

لقد احتجبت شمس الظهيرة بحجاب صفيق لا يشف ولا يصف .. إلا من زينة ظاهرة هي نور النهار الضئيل..

ليتها إذ احتجبت علّمت بعض فتيات يومنا كيف يكون الستر والحجاب ..

وكيف تكون قصة الشوق بعد الغياب !



امتدت على الجزيرة حقول الأرز منبسطة مخضرة ..

وشقت حافلتنا الصغيرة تلكم المزارع .. واتجهت نحو الساحل ..

وعلى مقربة من الساحل .. لحظنا النخيل تصف فارعة الطول مختالة قد زينت شاطئه ..

وتراءت من بعيد جبالٌ سود .. تطبق عليها دون السماء حجبٌ كثيفة وسوداء ..

فأعطت المكان دفئا فوق دفئه ..

وغدا الشاطي المزدان بحواجزه وجسره الخشبي الموغل في البحر كحلم ضبابي لا ترغب أن تستيقظ عنه ..


لقد قررنا النزول إلى عشة ممتدة .. كانت منتجعا للزائرين ومطعما للمرتادين , ولم يكن ثمة مرتادون .. وشجيرات وزهور ... ,

كل ذلك كان جزءا من أجواء كوكو بيتش الحالمة الوديعة ..



ما إن توقفت الحافلة حتى انبث منها صغار العائلتين ....

وحدّث بعد ذلك عن التمامهم حيث يستحيل ..

فتلك قد اتجهت نحو البحر وألقت عنها حذاءها وجوربها ثم خاضت الماء , وتلك انطلقت نحو الزهور والنخيل تتفحصها ..

وذلك قد هرول إلى الجسر الخشبي يتبعه أخوه الصغير .. لينتصفا البحر ولما يخوضانه ..
أما الكبار فلا تسل عن غبطتهم بهذه الأجواء الحالمة ..

فذا قد استقرت عدسة تصويره عند عينيه , وتلك قد مضت في تأمل وتفكر عميق في أحضان طبيعة جميلة .....



نظرتُ نظرة في الأفق لأرى قبالتي غمامة عظيمة سوداء بعيدة لكنها مقبلة ..

قد غطت جانبا من الجبال المخضرة المسودّة ..

وكنت أفكر .. ماذا لو بدأت العواصف ؟

لقد كان الأمان يلف الجميع .. وهم يلهون ويتأملون ..
والهدوء المستطاب قابع على عرشه في القلوب قد امتلكها ..
ونسيم البحر ..

آهٍ ما أطيبه ..



وفجأة !! ...
زمجرت السماء زمجرة الغاضب بعد طول صمت .. وحلّت الصاعقة .. .. تبدلت السماء الوادعة إلى غضب . . وتحرك السكون إلى ارتجاج .. والنخيل تضطرب بقوة وتهتز وتهتز كأنما ستنتهي إلى اجتثاث ..

توقفت الأنفاس .. عجزت العقول عن الاستيعاب .. توقفت اللحظات برهة . حتى استوعب الجميع الموقف .


وعند الإفاقة من الذهول .. بدؤوا يتحركون من كل صوب وجانب .. وفي كل اتجاه , وبكل خوف وهلع .. الصغير منهم والكبير ..
في ثوانٍ معدودة تحوّل الهدوء إلى صخبٍ وصيحةٍ وجلبةٍ وصراخٍ .

ياإلهي النجاة النجاة .. رحمتك ربنا رحمتك ربنا ..


كان الجسر يمتد داخل البحر , والصغيران يلهوان فوقه قبل الصاعقة ببراءة وسلام , حتى إذا ما امتدت الصاعقة إلى سطح البحر كان الجسر يد المصافحة التي سبقت الجميع في الامتداد إلى البرق .. فكانت المصافحة ... والصغيران على متن الجسر !

قد امتد شيئ من الصعق يداعب جسد الصغيرين .. وكانت ثوانٍ .. بدّلت الشعور عن الشعور ..

حتى لإنهما في تلكم الثواني أدركا نفسيهما هياكل عظمية ..

لا أجساد تكتسي اللحم والدم ...


استجمعت قواي بكل ما أملك بعد أن استوعبت هذا التبدل الهائل وبدون سابق إنذار , أو قل بدون وعي بسابق إنذار ...
عند ذلك هرعت ألملم صغاري , واستقبل ابنيّ الذَين قفزا قفزة واحدة من طرف الجسر إلى حرف الساحل .. ومنها إليّ مباشرة ..
حفظ الله ولدي ! ورحمة ربك أبقى ..

لقد انفك الصغيران عن المصافح البغيض ,

وهرولا على الجسر الخشبي يريدان الشاطئ , وفرا كما يفر آدميٌّ عند لقاء الأسد ..
والحمدلله .. الحمد لله !!


وقد كانت معي صديقتي ..

فأسرعنا بأولادنا نغذّ السير نحو الظلة المعششة ..

وتجمهرنا هنالك .. وسألتها عما حدث .. فكانت أن حدثتني بشيء من الصعق اليسير قد أصابها .. ثم أفاقت من الحدث بذهول !!
ولا أدري أهو جزء من الصاعقة قد أصاب ابنيّ وصديقتي ؟ أم كانت أجواء الصاعقة ؟!


اشتد الخوف والبكاء بابنتي .. فاحتضنتها .. ولكنها عجزت عن التوقف .. وما من لوم .. لقد كان المشهد مفزعا كل الفزع ..
فآمنا اللهم يوم الفزع الأكبر ..


تناولنا غداءنا على عجل ..

ثم هرعنا عائدين إلى حافلتنا

فارّين من ذلك المكان الجميل الوديع الذي استهوانا , ثم أرعبنا ..
لن أنسى لحظات كوكو بيتش ما حييت !















هناك ١٠ تعليقات:

غير معرف يقول...

يووووه ليه كذا

اكملي الله يعافيك

بصراحه اسلوبك يا رحوله يجنن

وكل مقال يجذبني اكثر

الله يوفقك ويسعدك
:)
:)
:)

رحيل يقول...

أهلا بك
جزاك الله خيرا
وآمل أن أكون قد نقلت عبر الحرف والكلمة صورة تعكس الخبرة الممتعة والمفيدة التي عشتها خلال أسفاري : )
التتمة ستضاف - إن شاء الله - بعد أن يكتمل العقد بعدد من التعليقات .

كوني بقرب ..

غير معرف يقول...

صورتِ المشهد وكأنني أعيشه حالاً ^^

لا زلتُ أتذكر الموقف تماماً
حين كنت متكئة على شاطئه - كوكوبيتش -
، وبكل هدوء أنقش حروف اسمي على حرفه
حتى انتهيت من رسم أول الحروف
لم يمهلني كثيراً !
حتى داعبنا بتلك الصاعقة ..
كوكو بيتش .. حقاً كانت مداعبتك مختلفة تماماً

ممتع !
شكراً رحيل (f)

رحيل يقول...

أهلا بك غاليتي حكاية ~
ولو كنت أعلم أن ذكرياتك في كوكو بيتش ستقود أحرفك الجميلة بين سطور مدونتي ..
لدبجتها في أول تدوينة ..
لأجل شركاء سفري أولا , جعلت هذه المدونة !
يهمني جدا حكمهم , لأنهم فقط من يستطيعون سبر صدق الحرف والتصوير ..
وللبقية كذلك أهدي هذه الكلمات , عسى أن تكون مدخلا للسرور في أنفسهم , فنؤجر على ذلك .
جزاك الله خيرا يا ابنتي :)

غير معرف يقول...

كوكو لم يكن بلطف اسمه
و لم يكن بسلاسة نطقه
فهو يحمل بين جنبيه مفاجأةلم تخطر على بال المتتبعين أو السائحين .
كل ذلك يهون إن كانت النهاية هي ذكريات مفزعة , ولم تكن أحداث موجعة ..
فالحمد لله على سلامة جميع العائلة...
و حفظ الله الجميع بحفظه...
بارك الله فيكم فقد عشنا مع اسطركم شيئاً من فزعكم ...نجانا الله من الفزع الأكبر

رحيل يقول...

كوكو بيتش لم يكن اسمه - الذي يذكّرنا حينا بـ(الدجاج ) - يحمل أي مضمون للافتراس , ولا رسمه أيضا , ولا صورته كذلك .
هو مكانٌ غايةٌ في الوداعة ..
وسبحان الله .. سبحان الله

أهلا بك أخانا الكريم
نسيم نجد

غير معرف يقول...

سبحان الله

هذا قدر الله

ننتظر منك المزيد والمفيد

= )

Unknown يقول...

اجدني امام قاصة واديبة وليست مجرد رحلات اعتيادية

قليلون من هم بعمق مشاعرك ووجدانيتك في تناول المكان والزمان بهذه الاحترافية

اظنك اديبة يارحيل قبل ان تضعي قدمك على سلم الطائرة

سررت بالتعرف على مدونتك الطيبة واتشرف بمتابعة كل جديدك

وفقك الله ورضي عنك وارضاك وقلمك نادر ولايوجد له مثيل في هذه الايام

رحيل يقول...

نور وديمة

أهلا بريحانتيّ

وأبشرا بالمزيد ..

لا حُرِمتكما .

رحيل يقول...

الأخ الفاضل
عشيرق

أشكركم لطيب كلماتكم ,
وأرحب بكم ضيفا جديدا
ودائما على الأحبار .

لقد زرت " مدونة لا تعرف المستحيل "
وقادتني كذلك إلى
" منتديات عشيرق التطويرية" .
( بؤرة التقنية الرقمية العربية )

وأظن أنني سأحط رحالي كثيرا هنالك ..
فلا أعتقد أن مدوّنا يستغني
عن مرجعٍ تقني .

بارك الله فيكم ,
وشكر سعيكم ,,