الثلاثاء، ١ يونيو ٢٠١٠

في بيروت ٢

أُم أَحْمَدَ الطَّيبَةَ
١٤٢٤هـ


إهداء
إِلَى أُمِّ أَحْمَد ..
وَإِلَى كُلِّ مَنْ الْتَقَيْتُ بِهِنَّ فِيْ دَارِهَا ..
مَحَبَّةً وَامْتِنَانا ،،


.. دار بيني وبينها حديث كأي حديث يدور بين سائح وصاحب بلد* ، إلا أن تلك المرأة الكريمة أبت إلا أن تتوج لقائي بها باستضافة في دارها القريب . اعتذرت منها وعللت اعتذاري بانشغال زوجي بأعمال المؤتمر ، لكنها أصرت على أن يكون لنا لقاء في اليوم الذي يليه ..
ثم لكأنها آنست مني عدم الارتياح كوني غريبة عن البلد ، وكونها تتعرف علي لأول مرة .. فما إن مرّرتْ اعتذاري على مضض ثم تبادلنا السلام وخرجنا حتى تلقّت زوجها بالخارج تطلب منه أن يلتقي زوجي ويدعوه أيضا إلى زيارة بيتهم المجاور .. وبعد تشاور وعده زوجي خيرا ..
بعد الخروج من مسجد عين المريسة مضينا نكمل جولتنا على أقدامنا ، حتى وصلنا إلى مقربة من صخرة الروشة تلك التي مر بها الطنطاوي رحمه الله ، واستلهم منها أنبل معانٍ ثم صاغها دروسا من الحياة للحياة عندما باح بحديث نفسه .. ولن أصف الصخرة فلا عطر بعد عروس ، ولا وصف بعد وصف الأديب الأريب شيخنا الطنطاوي ** .
طال التأمل عند الصخرة .. وطاب الجو .. وأنِس المكان بالصحبة .. والَخلق في ذهاب ومجيء .. سعيهم شتى .. وقد بانت المسافة بيننا والفندق .. ومع ذلك قررنا العودة مشيا على الأقدام كما جئنا على الأقدام ، فقفلنا راجعين !
في اليوم التالي كانت لنا رحلة بالسيارة إلى مغارة جعيتا ، وقد كان الطريق إليها مخضرا ومكتسيا بأشجار كثيرة .. والطريق إليها جميلا أنيقا منمقا بحجارته الطبيعية وبزروعات وأزهار .
مغارة جعيتا تنقسم عند الدخول إليها إلى قسمين أحدهما سفلي ، والآخر علوي وصلنا إليه عن طريق التلفريك ..
تشبه المغارة إلى حدود كبيرة المغارات العديدة التي زرناها في عدد من الولايات المتحدة الأمريكية : المغارة القريبة من واشنطن والبحر المفقود وأخرى في كلورادو سبرينقز ، نسيت اسمها ، .. إذ تتميز المغارة بتجويفها الكبير وبتشكيلاتها الصخرية التي تكونت بفعل قطرات المياه على مر مئات السنين وببحيرة في جوفها !! عالم آخر في ملكوت الله يخضعك للخشوع بين يديه والإيمان بجلالته وعظمته وبديع صنعه .. سبحانه ..
واختتمنا رحلة المغارة بوجبة غداء على سفح إحدى الجبال المحيطة ، وفي جلسة مطلة على وادٍ كبيرٍ يحتضن غابة من الأشجار .. فسبحان الله العظيم .. سبحان الله ! ..
لقد كان المكان خاليا من الناس إذ كان يوم الخميس يوم عمل ، كما لم يكن الموسم موسم سياحة .. وكم تروق لي الأماكن خالية ..
وبعد ذلك أخذنا جولتنا نحو المناطق الجبلية في برمانا ، ثم عدنا إلى بيروت ..
في أول المساء أكدت لي أم أحمد الزيارة ، واتفق الرجال على مكان الالتقاء .. حيث سينقلنا سيارة أحد قرابتهم إلى بيتهم ..
ذهبت إلى بيت أم أحمد وأنا ممتنة لها منحي فرصة التعرف على البيت اللبناني المحافظ ، وجه لبنان الذي لا أعرف الكثير عنه ..
وعند الدخول فوجئت بأنها قد جمعت لي قريباتها وإحدى صديقاتها الداعيات التي كانت تلتقي بهن في لقاءات للتدارس والموعظة .. فسررت لذلك غاية السرور ..
وتبادلنا شيئا من الحديث أظهر لي أن الأسرة اللبنانية المحافظة ينتابها ما ينتابنا من الامتعاض مما يرى على الشارع والإعلام اللبناني ..
لقد بدا لي كذلك أنها تعاني المعاناة ذاتها التي نعيشها في مجتمعاتنا حين يكون ثمة مجافاة لأوامر الشرع في الحياة الاجتماعية .. لقد كانت أم أحمد تتكلم لي عن زواج دعيت إليه فيه من المعازف والتبرج ما يتعذر معه إجابتها للدعوة ..
ودارت أحاديث هنا وهناك .. تبينت خلالها أن فئة من اللبنانيين يحرصون على أن يحافظوا على سمتهم الإسلامي ، وأن لا تذوب هويتهم ضمن خليط الأديان والمذاهب المتعايشة في لبنان ، فهم يحرصون على نوع المدارس التي يدخلون أولادهم إليها ، وعلى طبيعة المجتمع الذي ينخرطون فيه .
لقد بدا لي أن هذه الأسرة تنتهج السلفية ، هنا أدركت سبب إقبال أم أحمد إذ غالبا ما يوحي مظهرنا السعودي ، وتفاصيل ممارساتنا على هذا الاتجاه ، وليس ذلك عندي بالضرورة .. ولقد قالتها أم أحمد حقيقة :
لحظت أنك يا أم عبدالله تشيرين بالأصبع عند التشهد .. فعلمت أنك إن شاء الله على السنة ..
أما الأخت الداعية التي التقيتها عند أم أحمد فكانت من فلسطين ، وقد عاشت في إحدى دول الخليج ، وهي تلتزم بالحجاب الذي يغطيها تماما ..
ووجدتها ممن يحمل على عاتقه هم الدعوة إلى الله بين بنات جنسها .
.....
ثمة صورة نمطية تحررية لأهل لبنان تنطبع على الذاكرة ، نتصفحها في كل مجلة ، ونراها في كل قناة فضائية ..
ولكن للبنان الطيبة أناس آخرون !


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* اقرأ في بيروت ١ : ديار الأوزاعي
** أنظر : من حديث النفس ، علي الطنطاوي ، ص 220

هناك ٧ تعليقات:

محمد عبدالرحمن شحاته يقول...

رحيل .. كلما دخلت مدونتك تجذبني كلماتك واسلوب سردك للحدث .
دمتي مبدعة .. وياليت كلما سافرتِ تكتبي لنا . فحقاً شعرت بأني زرت بيروت مسافراً على كلماتك

تقبلي مروري

رحيل يقول...

الأخ الفاضل
محمد عبدالرحمن شحاتة

قراء المدونة هم زادها ووقودها ، ورجع صداهم يقوي العزم على المضي ..
على ما يتيقن في النفس من تواضع المتاع والبضاعة ..
فلك كل الشكر إذ بكلماتكم يقوى العزم .
مرت مواسم كثيرة وقريبة أعترف بأنني ثقلت عن تدوينها : مصر - الإمارات - عمان
لعل الله ييسر لي توثيق جوانب منها .

أهلا وسهلا بك في أحبار مسافرة .

غير معرف يقول...

كلمات جميلة .. آعادت ذاكرتي للوراء سبع سنوات .. في أجواء رائعة عشناها معاً في بلد الآوزاعي الجميل .. وفي وقت مليئ بالعمل .. كنت أشد ما آكون فيه حاجة للترويح والاستجمام .. فسلمت يداك على ما سطرت .. وذاكرتك على ما آحيت من ذكريات جميلة ..
زوجك آبو عبدالله

رحيل يقول...

أنوَرت المدونة وأسفرت بوجودك أبا عبدالله ..
أهلا بك وسهلا ..
ما يزال طيف رحلة بيروت وذكرياتها الطيبة يحل في الأوقات المزدحمة بالعمل ..
فقد كانت كواحةٍ باردة عند هجير صحراء !!
ولو طعّمت كل الأوقات العصيبة بشرودٍ قصير إلى مثل لبنان لصارت أجمل الأوقات .
والأجمل والأروع أن تكون الرحلة بعد إنجاز ..
فلا أنسى ما حييت رحلة " نياغرا فولز " ..
طيّب الله أوقاتك ..
وأحيا ذكرياتك وأنت في أحسن حال .

أم عبدالله

غير معرف يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مدونتكِ مزدانة بعبق الكلمات والأسلوب الطيب أخيتي ..

أحب دائما لقب الرحيــل لا لأني أحب السفر ولكنه يذكرنــي بالرحيل عن الدنيا ..

وقعت عيني على مدونتكِ فكان من أطيب ما وقعت عليه عيني :)


أكملي أخيتي وأتحفينا بهذه الجولات الجميلة .

وفقكِ ربي لما يحب ويرضى ورزقكِ كل ما تتمنين ..

أختكِ في الله .. الرحيـــل

رحيل يقول...

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أهلا بك وسهلا أختي الرحيل ..
يسعدني حضورك ..
كما يسعدني أن أتفق وإياك بأن لقب "رحيل" يذكرنا بأننا في هذه الدار كمثل راكب يستظل تحت ظل شجرة ثم سيقوم ويتركها ..
فكل إنسان إلى رحيل ..
وإنني إذ آسبغ هذا اللقب على نفسي إنما أذكرها أنه مثلما تنقل حالها من ديار إلى ديار فهي ولابد ستنتقل من دار إلى دار آخرة .. لعل الذكرى تنفعنا على ضعف إيماننا وعزائمنا .. هذا ما قصدته تماما ..

أحييك ثانية وأسعد بتعقيباتك الطيبة .

دمدووم يقول...

ما شاء الله ..

اللهم بارك جميل جداً 

وفقكِ الله

سأتابعكِ ان شال الله


ابنتكِ : ديما