الأربعاء، ٢٥ مارس ٢٠٠٩

في بيروت 1

دِياَرُ الأَوْزَاعِيِّ
1424هـ

هبت نسائم اللطفِ ذات يوم
فانتشلتني من كومة أعمال وظيفية ..
غاية التعقيد .. غاية التشابك .. غاية العبء !!
ثم طرحتني في يوم عمل من أيام الأسبوع إلى أحضان بيروت ..
لأكون فيه في إجازة !
ذلكم أجمل ما أتذكّره في رحلة بيروت ..

بعد يوم شاق , رفعت رأسي عن مكتبٍ تكدست أمامه الأوراق والمعاملات , واختلطت كعادتها اليومية كماردٍ يشتعل فجأة على سطح مكتبي في صبح كل يوم عمل , ثم ينطفيء شرره , وتتضائل هجمته مع نهاية اليوم ليندسّ في قمقمه .. أدراج المكتب !
بعد ذلكم اليوم عدت إلى البيت , فأخذت قسطا من الراحة , ثم تهيأت للسفر , لأكون في الأيام القلائل التي تليها في لبنان ..
لاشك أنها فرصه ثمينة للهروب من ضغط العمل . وأثمن , لرؤية لبنان في غير صخب آخر الأسبوع وفي غير موسم السياحة ..

على مقربة من مطار بيروت , ومن خلال نافذة الطائرة خيّل إلي أن الطائرة ستحطّ على سطح البحر , فقد كانت آخذة في الانخفاض , حتى إذا ما أوشكت تلامس سطح البحر بدا لي مدرج المطار .
في تلك اللحظة عظم الفضول لاستكشاف لبنان وكنت قد زرتها قبل ذلك , ولكن في الجزء الذي لا أحتفظ منه بذكريات من طفولتي , لقد كنت آنذاك ذات سنتين !

أسئلة كثيرة كانت تشتد ليتمخّض عنها فضول كبير :
كيف لبنان الآن ؟
هل ما زالت بعد الدمار تتألق عمرانا ؟
هل استعادت عمرانها ؟
كيف شوارعها ؟
ماذا عن دور نشر الكتب فيها ؟
ماذا عن مساجدها ؟
كيف أهلها ؟
هل سأرتاح فيها ؟!!!

أسئلة تعبث كالعاصفة . لم تتوقف حتى توقفت سيارة الأجرة السوداء "بيجوه" أمام فندق فينيسيا إنتركونتننتال ..
وفي البهو .. بدا أن الازدحام على أشده لقد كان الفندق يحتضن المؤتمر ..

سجلنا دخولنا ثم اتجهنا إلى غرفتنا .. وقد كانت مطلة .. ولكن على غير منظر يسُر ..
لقد كانت الإطلالة غير الإطلالة , و المنظر غير المنظر ..
لقد كانت إطلالة ًتحكي قصة لبنان الجريح , وطريقه الشاقة نحو التعمير يتلوه التدمير, ثم التعمير ثم التدمير ..
إذ يشخص أمام نافذتنا مباشرة مبنى كبير , لم يكتمل بناؤه . وقد تصدّعت جدرانه الإسمنتية بالقذائف ..
وهكذا كانت لبنان في مواقع كثيرة منها , شاهدة العصر على حروبه المتتالية ..

في عصر أول أيام رحلتنا القصيرة خرجت وزوجي من الفندق لنبتغي فندقا آخر تتوفر فيه غرفة لها إطلالة على البحر ..
ولكننا بعد البحث وجدنا أن فينسيا كان الخيار الأفضل .. ثم تابعنا المسير بمحاذاة " كورنيش بيروت " .
كانت النسائم عليلة والبحر الأبيض المتوسط يقصف ساحله بشدة لم نعهدها على سواحلنا عند الخليج العربي أو البحر الأحمر ..
وما بين المسافة والمسافة كنا نرى بائعي الكعك أو الذرة أو الخبز ينادون وحولهم مرتادو " الكورنيش " الذين يزداد عددهم مع إقبال المساء .
والناس في بيروت يحبون رياضة المشي على الأقدام أو الهرولة , لحظت ذلك جليا على كورنيش بيروت . وتختلط في تلك البقعة أشكالهم ؛ فمنهم من يبدو عليه المظهر الغربي .لا تكاد تفرق ما إن كان لبنانيا عربيا أو أوروبيا . ومنهم من يلبس اللباس المعهود في أغلب الدول العربية والإسلامية . ومن النساء من تحتجب حجابا كاملا فتغطي وجهها , ومنهن من ترتدي العباءة التي نعرفها في الخليج , ومنهن من يبدو وجهها , ومنهن من تكتفي بغطاء على الرأس مع اللباس الاعتيادي .. وأخريات كثيرات بغير حجاب ..
اختلفت الألبسة وأنواعها واجتمع الناس كلهم في الطريق في صورة تترجم التنوع العرقي والديني والمذهبي في هذه الرقعة الصغيرة على البحر المتوسط ..
أخذتنا أقدامنا عبر مناظر كثيرة على الساحل المقوّس تحتضنه بعضُ جبالٍ مرصعة بالبيوت .. الأطفال والشباب يمارسون السباحة .. والصيادون يمارسون عملهم أو هوايتهم . وعلى الجانب الآخر اصطفت مجموعة من العمارات السكنية الكبيرة التي تفنن ساكنوها فيما بدا بالعناية بشرفاتها الواسعة المطلة على البحر الزاخر ..
وفي منتصف طريقنا عند منطقة عين المريسة رُفع أذان المغرب من مساجد بيروت .. وهبت نسائم الإيمان والإسلام , وبعُث ميراث الصحابة الفاتحين , والأئمة الأعلام من أمثال الشيخ الأوزاعي .. وغيره مِن خير مَن سكن بيروت ..

وبدت لنا منارة مسجد كبير يقابل البحر , اسمه مسجد عين المريسة .
دخلت من باب مصلى النساء , واصطففت مع عدد قليل جدا من المصليات .. وبعد انتهاء الصلاة والتسبيح التفتّ فوجدت قبالتي امرأة في متوسط العمر وتبادلنا الابتسامة , وقد وجدت منها ترحيبا رائعا , وعلى محياها بشاشةً انشرح لها صدري , وتهللت لها أساريري .
فما كان شأني معها ؟

هناك ٨ تعليقات:

آلاء يقول...

متابعين =)

غير معرف يقول...

أين البقية ..يا رحيل~
لديك لغة أدبية متكنزة بمفردات هائلةمن ناحية الروعة و الجمال..
أجعليها في كتاب حتى تنضوي فوق رف أدب الرحلات..لابدّ أن توثق تجربتك يا رحيل..ولا أعتقد أن المدونة تكفي..ألا توافقينني الرأي؟!

غـيم يقول...

^
صحيح
قلم آسر ماشاءالله

غير معرف يقول...

ما قصة السفر معك ؟؟!

ما سبب حبك له

..

لا تنسي أن تكملي

لكِ حبي

غير معرف يقول...

ما اجمل قلمك
ننتظره في كتاب رائع يحكي رحلاتك الجميلة
فهلا اسجبتي؟

رحيل يقول...

آلاء
حييتِ عزيزتي , وأسعد بمتابعتك : )

غير معرف
أسعى لذلك ..
ويعتريني أحيانا الشعور بأن لا جديد
تتضمنه التجربة فأجفل !
شاكرة ما تفضلت به من ثناء .
وأهلا بك .

غيم
شكرا لإطرائك ..
زرت مدونتك ,
وسأعود لرؤية باكورة الإنتاج : )

غير معرف
صحيح !
صياغة دقيقة
هي أولى من :
" ما قصتك مع السفر ؟"
..
أحب السفر ..
ولكن ليس إلى الحد الذي ربما يتصوّره القاريء ..
وربما تبدو عبارتك عجيبة
" لا تنسي أن تكملي "
لكنها في حقي واردة جدا !!

غير معرف
مطلبكم يشد عزمي ,
شكرا لإطرائك

rashad يقول...

هذه زيارة اولى اكتشفت فيها لغة جميلة و سبك رائع اضافة الى المفضلة ووعد بزيارة قادمة اعجبتنى المدونة رشاد من مرزق التى فى خاطرى

رحيل يقول...

الأخ الكريم رشاد

مرحبا بك ، وحييت أهلا  
وأتطلع لمعرفة المزيد عن " مرزق " في ليبيا .