الثلاثاء، ٨ يوليو ٢٠٠٨

جبال الدخان 3


حينما تتضمن الرقعة الصغيرة كثيرا من الأحداث السياحية ,
أتذكّر جبال الدخان ..

لم نكتف في جولتنا في جبال الدخان بالجلوس عند النهر , أو التجوّل في طرقاتها أو التحليق فوقها ..
بل رغبنا فيما هو أكثر من ذلك ..

عزمنا أمرنا ذات نهار أن نتخذ الطريق إلى أحد الشلالات البديعة في أعماق الغابة الجبلية , وكان الوصول إليها يتطلب المشي على الأقدام صعودا على الجبل بمسافة كيلين تقريبا ..

عقدنا العزم ووشددنا الهمة وقلنا بسم الله , يتقدمنا الصغار يتقافزون من الفرحة , إذ تحلق في أذهانهم صورة الطفل الكارتوني في جزيرة النور وغيرها وهو يتنزه في الغابة تحنو عليه الغزالة تارة وتلاعبه سناجبها تارة أخرى . لقد تجسّدت الأمنيات أمامهم واقعا يعيشونه بأنفسهم وها هي الغابة بكل مكوناتها المدهشة تداعب أمنياتهم وأحلامهم الصغيرة التي عاشوها عند القصة الكارتونية فانقلبوا أبطال الغابة !!

كنا نغذ السير أول صعودنا والطاقة منا مسترسلة كريمة , وما أن أتممنا الكيل الأول حتى بدأت طاقتنا تشح بالعطاء , وتستنكر الطلب , إذ إنها لم تعتد منا مثل هذا الاستدعاء , ولم نعودها مثل هذا الاستهلاك . فبات كرمها في العادة محدود بحدود ضيقة لا يجاوز الحركة الخفيفة في أرجاء منزل أو مكتب أو إلى مسجد أو في حدود مركز تسوّق . وأصبحت منا كالحد الائتماني في الهواتف . وبدأت ترسل رسائل التنبيه تنذر بتجاوز الحد . فصرنا نستجمع القوة , ونستدعيها . وهممنا بأمر سوء فحدثتنا أنفسنا أن نلغي ما لأجله صعدنا الجبل وتكبدنا المشقة , غير أن داعي الشلال ودافعه كان أقوى من الوسوسة , فاستجمعنا قوانا وواصلنا سيرنا لنستكشف الشلال الموعود فنمتّع أبصارنا بمنظره الخلاب وسط الغابة ..

قليل من الصبر ساعدنا في الوصول إلى منطقة شلالات لوريل , وعندما تناهى إلى سمعنا من بعيد صوت خرير الماء دبت فينا الطاقة من جديد , كأنها هي الأخرى متشوقة لرؤية الشلال ..
وصلنا إلى قريب من أعلى الجبل حيث يختبئ بين أشجاره العظيمة شلالٌ بديع المنظر .. تحفه الصخور .. وتخفيه الجذوع العملاقة .

كانت مياه الشلال كأبيات الشعر تدبّج في مديح الغابة فتزيد على حسنها حسنا . وكانت كلحنٍ يبعثه طائر حزين أن ضل الرفاق وبقي وحيدا , فهو يسلي النفس , وهو ينادي ولا ينقطع , لعل روحا تجيب نداءه وتزيل وحشته ..

تأملنا وحيد الغابة .. الشلال مليا , وقلبنا نظرنا حوله إذ ينبثق وحيدا مستوحشا ثم هو ذاته بعد ذلك يشق الغابة بالأفراح والبهجة , وتعجبنا لجماله وسبحنا الله لبديع صنعه والتقطنا شيئا من ذكرياتنا في صندوق آلة التصوير المتحرك " الفيديو " . بعد ذلك تذكّرنا أن أمامنا مثل المسافة التي قطعناها عودة ..
لابأس ! فالنزول أهون من الصعود وإن كانت المسافة طويلة !

شددنا الهمة وقفلنا نزولا وأسرعنا كي لا يدركنا الظلام في الغابة , ثم تحاصرنا وحوشها ..
ومن بعيد وعند نهاية الطريق لاحت لنا السفاري واقفة مستكينة , وتهيأ لنا أنها كالقلقة المضطربة تنتظر سلامتنا وخروجنا من الغابة إذ تقف عند أعتابها .. عدنا إليها والشوق إليها وإلى مقعدها الوثير قد أخذ منا كل مأخذ , بعد أن أدركنا قيمة عجلاتها , وأدركنا عجز لياقتنا , وعلمنا أن سفارينا قد دللتنا فوق ما يجب , فحق الانتباه لذلك , وإلا كانت الصحة في خطر !!

في الشارع السياحي لفت أنظارنا مبنى غريب المنظر .. وقصدناه فإذا هو متحف للغرائب والعجائب ..
حوى هذا المتحف عددا كبيرا من الغرائب أولها : الرجل "الليزري" الذي يظهر أمامك على مكتبه فجأة فيحدثك برهة من الزمن ثم يختفي كأن لم يكن ثمة رجل !
لو رآه أحد من القرون الغابرة لولى مدبرا من الخوف , ولبصم بالعشرة على أنه رجل من الجان . لكننا لحسن حظنا لم نكن كذلك " الأحد " , ولسنا نعيش زمانه بل نعيش زمن تطويع الليزر ليقوم بالتسلية والعلاج والتجميل وغير ذلك .. فلم نولّ الأدبار أمام شبح الليزر الذي يبدو فجأة ثم يغيب فجأة , ولم يخف منه صغارنا بل وقفنا أمامه كما نقف أمام عصفور يحط ثم يطير ..

لقد حوى المتحف رسوم الخداع البصري , ومِزهرية صنعت بطريقة ما فتبد حين تدور كالشخصين المتقابلين يتكلمان أحدهما تلو الآخر , وأطول إنسان وأقصر إنسان , وبعض أساليب التعذيب , وعرضا لطريقة الإعدام بالكرسي الكهربائي المرعبة , وغير ذلك مما يثير العجب والاستغراب تارة أو الخوف تارة أخرى ..

ومن الشارع السياحي نفسه صعدنا العربات المعلقة التي تحمل في كل مرة فردين كالأرجوحة المعلقة وصعدنا الجبل مستمتعين بمناظر منطقة جبال الدخان الخلابة حتى وصلنا القمة حيث أتيح لنا منظرا عاما " بانوراميا " خلابا , ثم عدنا مرة أخرى لنهبط وأمامنا المنطقة الجميلة ..

يبدو أنه قد كان أمامنا الكثير لنصل إلى قصة دب الغابة ,
وستضرب القصة أطنابها في التدوينة القادمة بإذن الله ..

ليست هناك تعليقات: