الأربعاء، ١١ يونيو ٢٠٠٨

رحلة واشنطن 2

بأبي هو وأمي !







اعْتَدْنَا فِيْ العَوَاصِمِ العَرَبِيّةِ أَنْ تَكُونَ المُدُنُ الأَكْثَرُ عُمْرَانًا وَازْدِحَامًا , غَيْرَ أَنّ وَاشُنْطُنَ العَاصِمَةَ مِنْ أَكْثَرِ مُدُنِ الوِلايَاتِ المُتّحِدةِ الكُبْرَى هُدُوءًا , وَأَبْعَدِهَا عَن الاتِّجَاهِ العُمْرَانِيِّ المَعْرُوفِ فِي أَغْلَبِ المُدُنِ الْعَالَمِيّةِ الكُبْرَى .




العاصمة الهادئة
زرت واشنطن العاصمة مرتين . أما الأولى فكانت خاطفة , زرت فيها متحفا للطيران وآخر للدَيْناصورات . والأخرى ازدحمت بزيارات متعددة خلال فترة وجيزة أيضا , سيكون الحديث عنها هذا اليوم .

مواقع قرار ..
كان أبرز ما يمكن زيارته في واشنطن مبنى "الكابيتال هيل" Capitol Hill , والذي يعد مجمعا للحكومة الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية ؛ حيث يتضمن الكونغرس , وهو المؤسسة الدستورية الأولى التي تعتبر الهيئة التشريعية في النظام السياسي , وتشتمل على مجلسي الشيوخ والنواب .
ولا يقتصر مبنى " الكابيتال هل" على الكونغرس فقط , بل يتضمن مكتبة الكونغرس الشهيرة , و المحكمة العليا The Supreme Court .
لقد تمكنا خلال هذه الرحلة القصيرة أن نزور الكابيتال هِل بالإضافة إلى مبنى وزارة الدفاع الأمريكية " البنتاجون " .. ولم يتيسر لنا زيارة البيت الأبيض والإف بي آي .

تحفظات أمنية
قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر كان قليلا ما تُرى أجهزة الفحص عند المداخل , ولذلك فإنني عندما رأيتها في مثل هذه المواقع أُبهرت بحجم التحفظات الأمنية . أما الآن فربما نجد أن مثل ذلك يعد إجراءً شائعا يواجهنا في الفنادق الكبرى والأسواق وغيرها .

سلكنا طريقنا إلى تلة الكابيتال من خلال جادة بنسلفانيا Pennsylvania avenue – إحدى الجادتين الموصلتين إلى تلك المنطقة , وقد كان الطريق سلسا للوصول .
وعند اقترابنا إليها لاحت قبة المبنى البيضاء الشهيرة حتى إذا ما اتخذنا الطريق الدائري حوله بدت لنا المنطقة فسيحة مزدانة بالمساحة الخضراء قد أحاطت بمنى الكابيتال كما يحيط السوار بالمعصم ..
وامتد في واجهتها الأمامية مساحات شاسعة خضراء منسقة ومزينة كالحدائق تتصل حتى نصب واشنطن الشهير .

لقد كان وجودنا في واشنطن يصادف زمن أوائل الربيع , فكانت الأشجار تكتسي حُللها الجديدة , وتبدو متدثرة بألوان متعددة تبهج الناظر , وتخبره أن الربيع – بالفعل - قد حل زمانا ومنظرا !
لم نكن مضطرين إلى أن نقف بالسيارة مسافة بعيدة جدا , بل أوقفناها في مكان معقول , ثم سرنا في هذه الحدائق متجهين إلى مبنى الكابيتال هل . وقد يختلط على الماشي إلى هناك طول الطريق , فلم نكن ندري ألطريق قصير؟ أم أن الحدائق قد اختصرت السير في لحظات شُغِلت فيها أبصارنا بجمال الطبيعة الخضراء المنسقة ..
الكونغرس
ومن خلف المبنى الكبير كان الدخول إلى الكونغرس* ... لقد نظمت الزيارات إليه بحيث يمكن دخول الزوار إلى أبرز مرافقه دون تعويق لمهامه اليومية .
وفي داخل مبنى الكونغرس , وفي الطريق إلى مجلسي الشيوخ والنواب كنت أتوهّم أو أتخيل أنني سأرى القاعتين بكافة أحداثها التي نراها كل يوم خلال الشاشات في نشرات الأخبار , ممتلئةً بالشيوخ أو النواب مكتظّة بقضاياها , وقد احتل فيها الرئيس موقعه , وكلٌّ قد أخذ محله في الإنصات تارة , أو التحدث تارة , أو التصويت تارة أخرى .
قادنا الطريق إلى قاعتي المجلسين , في دهاليز تميزت بتصميم تقليدي " كلاسيكي " . حتى خيّل إلينا ونحن فيها أننا نتجوّل في أحد القصور التاريخية القديمة . لقد كان الهدوء يسود المكان , والزائرون القلائل يتجولون بهدوء بين غرفات المبنى وقاعاته يقود زيارتهم مرشدٌ يتحدث بأهم ما يمكن الحديث عنه .
وصلنا إلى قاعة النواب الدائرية التي تحل تحت إحدى قباب المبنى الكبيرة , ورأيناها تماما كما نراها خلف الشاشة , غير أنها كانت صامتةً ساكنةً فلا نواب , ولا رئيس جلسة , ولا متحدث , ولا منصتون , ولا تصويت !
وكانت الأخرى كذلك ..


مكتبة الكونغرس
وفي ناحية أخرى من المبنى قمنا بزيارة مكتبة الكونغرس الشهيرة . وكان الدخول إليها من الخارج بمدخل منفصل تماما عن مرافق المبنى الأخرى . وقد نصب عند مدخلها كذلك حاجبا إلكترونيا ( جهاز الفحص ) ليستسمحه في الدخول كل راغب , فإن دخله سليما دخل , وإلا زمجر الحاجب زمجرة المغضب ألا دخول حتى يتم تفتيشك ..

مكتبة الكونجرس الشهيرة , صممت بأسلوب بناء تقلييدي يشابه القصور الكبيرة , وتشتمل على بهو أحيطت أدواره بالأقواس الجميلة , وازدانت جدرانه بالرسومات الملونة , ونصبت التصاوير , وتوّج بقبة عملاقة مزخرفة .




بأبي هو وأمي !
أما آخر زياراتنا في هذا المجمع الحكومي فكانت إلى المحكمة العليا The Supreme Court وهي أعلى جهة قضائية في الولايات المتحدة الأمريكية , والذي يضم متحفا يبين التاريخ التشريعي للولايات المتحدة الأمريكية وفي العالم .
مبنى المحكمة العليا مبنى تقليدي , يتوارد شكله إلى الأذهان كلما ذُكِرت المحاكم ؛ فالأعمدة الطويلة جدا تصطف عند مدخله . ويعلوها نحت وتصاوير .
مررنا بالمتحف ورأينا فيه ما رأينا من معروضات وشروحات مكتوبة . ثم انتقلنا إلى غرفة المحاكمة الحمراء .


وفيها رأينا رأي العين ما سمعنا عنه مرارا وتكرارا . لقد كان يتصدر واجهة المحكمة في أعلى جدارها الشمالي صفا من التماثيل المنحوتة , والتي يمثّل كل نحت فيها شخصية ذات تأثير تشريعي في التاريخ .
ولقد أثار حفيظتنا نحت لشخص النبي صلى الله عليه وسلم كأحد الشخصيات التاريخية الكبرى التي أثرت في تاريخ التشريع .
ففي عام 1935م قام أحد النحاتين الأمريكيين بعمل نحت يمثّل أبرز الشخصيات التي يعتقد أن لها الجهد المؤثر في مسيرة الحياة البشرية , وكانت هذه التماثيل لموسى، وعيسى، وسليمان، ونبينا محمد صلاة الله وسلامه عليهم ونابليون.. وغيرهم من القادة اليهود القدماء.
إن مسألة تجسيد شخصية النبي صلى الله عليه وسلم في صورة أو تمثال مسألة تجاوز الحدود الشرعية المعروفة لدى كل المسلمين من عالمهم إلى جاهلهم ومن صغيرهم إلى كبيرهم , لذا يرفض المسلمون مثل هذا الفعل أن يصدر عنهم أو عن غيرهم .
وبالفعل , فقد قامت عدد من الجهات الإسلامية بتقديم اعتراض على هذا الأمر , منها مجلس العلاقات الأميركية الاسلامية (كير) , وطلبت مرات عدة سَحب القطعة التي تجسّد النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم , إلا أن المحكمة اعتذرت عن تلبية الطلب , لما في إزالة صورة النبي صلى الله عليه وسلم من تأثير على بقية الصور المنحوتة ..
وما زالت المطالبات قائمة من جهات متعددة **.
لقد تضمّن المتحف كذلك جانبا من حياة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم , إلا أنها كانت تُرجع أحداث سيرته صلى الله عليه وسلم التشريعية إلى اجتهاداته كحاكم , وليس كنبي يوحى إليه فيما بدا لي من العبارات التي قرأتها في زوايا المتحف ..
بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم .. أشهد أنه نبي الله ورسوله .


حول البنتاغون
في منطقة البنتاغون كان الصمت يخيّم ثقيلا ثِقَل المبنى الخماسي الكبير جدا . ولا يرى الزائر إلى هناك خارج المبنى إلا أعدادا محدودة من أشخاص متفرقين قد تنوّعت أزياؤهم العسكرية , وكانت تشير بطبيعة الحال إلى انتماء كل واحد منهم إلى الدفاع الجوي أو المارينز وغير ذلك ..
إلا أن دخولا إلى البنتاجون يزيل حاجز الصمت إلى ما يشبه خلية النحل من الداخل . كانت زيارتنا إلى البنتاغون سريعة وخاطفة ..

ولقد حصل لي موقفا طريفا يتعلق بالبنتاغون , حيث ارتبط لدي لفظ البنتاغون بمبنى وزارة الدفاع الأمركيية . كنت يوما في إحدى محاضرات "الطرق المتقدمة في تدريس الرياضيات" خلال دراستي . وكانت تتضمن المادة مناقشة أنشطة تحقق أهداف المادة لدى الطلاب , فطلبت أستاذة المادة منا كافة اقتراح وتنفيذ شكل للبنتاغون ( بنتاغون تعني الشكل الخماسي ) . فقامت جميع الطالبات باقتراح أشكال تقليدية للبنتاغون , غير أنني شكّلت شكلا يماثل المبنى المعروف تلقائيا , نظرا لارتباط اللفظ الإنجليزي لدي بشكل المبنى فقط , لا أكثر ولا أقل ! فعدّت أستاذة المادة الأمريكية عملي هذا ضربا من الإبداع الذي لم يتوصل إليه أحدٌ في القاعة . وأشادت به على طريقة تبهير الأوصاف الأمريكية , وأصبحت تنتظر مني في كل محاضرة أن آتي بالإجابات والمقترحات ما لايستطيع أحدٌ في القاعة أن يجيب به . فكنت أضحك كثيرا في نفسي , وأقول : لا إبداع ولا شيء ! ..
وربما يكون ( الأعور ) أحيانا بين العميان ( باشا ) ..

ختام ~
موجزٌ لرحلة واشنطن ..
ألقيته عن كاهلي ..
دونكم إياه ..
................
وأما واشنطن العاصمة ..
فعاصمة ماذا ؟
ربما تركتكم لتضيفوا إلى وصف عاصميتها
وصفا مناسبا حسب ما ترون ..




...................................

* لمعلومات عن الكونغرس :
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D9%86%D8%BA%D8%B1%D8%B3_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%8A

** بإمكانك معرفة جانب من قصة اعتراض المسلمين على النحت على هذا الرابط :
http://www.alriyadh.com/2006/03/24/article140643.html

هناك ٤ تعليقات:

غير معرف يقول...

لا شك بأنك / أنكِ احد احفاد ابن بطوطة

ممتع جداً السفر والترحال

والأجمل أن يتم تدوين كل هذه الذكريات الجميلة

متابعة من الآن

رحيل يقول...

The beatifull heart

أسعدتني إطلالتك المنعشة على ركني

الذي يتدثر بالهدوء في عالم الشبكة الصاخب ..

أرحّب بك صديقةً للأحبار ..

وأرجو أن تمنحكِ , وكل صديق لها ما تأملين .

أختك
رحيل~

غير معرف يقول...

السلام عليكم

ما شاء الله

الله يُسعدَكِ في الدنيا والأخرة ..

شكريات :

ديمو..

رحيل يقول...

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

ويسعدك يا حبيبة :)