الأحد، ١٨ جمادى الآخرة ١٤٢٩ هـ

جبال الدخان 2

1416هـ / 1996م












من أروع الصباحات
صبحٌ تستفتحه بالصلاة
وذكر الله
ثم تحلّق فوق أرضٍ
مشبعة الاخضرار ,
تنظر إليها
نظر السحابة السابحة
في الجو !



http://farm1.static.flickr.com/104/297868031_1e163b6225_m.jpg

كان صباحنا رائعا روعة الأرض المخملية التي نراها من جو السماء .. وقد أرسلت الشمس باكورة أشعتها تنتثر كخصلات الشعر الذهبي المسلسل .. تتدفق بغزارة وحيوية , فتدثّر صفحة الجبال المخضرّة بغلالة شفافة باهرة المنظر . لقد كان منظر سلسلة الجبال من طائرة عمودية في ساعات الصباح الباكرة جدا كالحلم الجميل الذي لا تود أن تستيقظ منه .

في رحلة جبال الدخان عاهدنا أنفسنا أن نبكّر برامج الرحلة في جميع أيامنا , فكان كذلك .. يبدأ عند الثامنة صباحا , وينتهي عند مثلها أو قبل ذلك في المساء .





كان موعدنا مع التحليق في بداية أيام الرحلة المعدودة .. وقد كانت تجربتي الأولى في الصعود إلى طائرة عمودية , تلك الطائرة التي احتوتنا فقط في صندوق زجاجي فأمامك السماء , وفوقك السماء وعلى جنبيك سماء , ومن أسفل منك ترى الأرض وأنت تتباعد عنها , فتحملك كما يحمل الطير رسالة أو طيرا صغيرا أو شيئا ما , فالشعور وأنت في طائرة عمودية هو أنك معلق بشيء يحملك ..

تحركت مروحة الطائرة العملاقة فوقنا , وباتت كالمعلاق يرفعنا شيئا فشيئا حتى ابتعدت الطائرة عن الأرض , وتصاغر أسفل منا الطريق السياحي ثم عرّجت على منطقة الجبال والغابات فأخذت تسرح وتمرح فوق أرجائها , كالفراشة تحلق في بستان لا تقف عند زهرة . وعرّجت أرواحنا في جانبٍ من ملكوت السماوات والأرض .

عند ذلكم شعرت أنني صغيرةٌ صغيرة أمام قمم هذه الجبال المزخرفة بالأشجار .. وأصغرُ أصغر حينما كانت الأرض تحتويها , وأصغر كثيرا حين تذكرت أن الكرة الأرضية ما هي إلا ذرة في الفضاء ..

يا إلهي كيف تقوى هذه النفس الصغيرة جدا أن تتنكب الطريق وتحيد عنه ؟! أي قوّة تمنعها البطش !

أخذت الطائرة دورتها , واكتفت بتحليقها . ثم عادت من حيث أتت , ونحن في صندوقها ما نزال في دهشة وحبور ! حتى إذا ما حطّت فوق أرض خضراء , عانقنا الأرض التي كنا نراها من بعيد عناق المتشوّق إلى اكتشاف الأرجاء ..


ثم كان الانطلاق مرة أخرى إلى دروب الجبل .. وحادينا من جهاز التسجيل في السفاري يحدو " ابن بلادي هالمغوار أعلِنها باسم الدينِ , بعون الله أشعلها نار في كل قرية ومدينِة " . لقد كان النشيد إذ ذاك كله لفلسطين والحماسة . على خلاف حداء الحادين الآن فقد تنوّعت موضوعاتهم فصار من الغريب أن تسمع النشيد الحماسي في مثل هكذا مواضع ..

لست أنسى تلك اللحظات , ونحن نلتف بالسفاري صعودا بين أشجار جبل الدخان .. تظللنا أغصانها وينعشنا نسيمها , وتسجد أعشابها وأزاهيرها على أطراف الطريق تسبّح الخالق و تذكّر المخلوق .. تذكّره إن كان له قلبٌ يقود عينيه وسمعه وشفتيه ... ولكن مثل هذه القلوب تعزّ أحيانا ..


كما كان النشيد يحدونا , كان منظر الجبال الفوقي الذي رأيناه صبح اليوم يحدوا سيرنا لاكتشاف غابات الجبل وما يختبئ تحت ديباجتها من كنوز .. فكانت الأنهار .. وكانت الأزهار .. وكانت الأحجار وكان نعيم الدنيا يذكّرنا نعيم الآخرة نسأل الله فضله.






وصلنا في مسيرنا إلى المنتزه الوطني الذي أُعِدّ للرحلات بالجلسات وزوايا الشواء وغير ذلك .. . توقفنا عند نهر طارف .. يسير يحاذي الطريق .. يتدفق في سرعة وهمّة لا يلوي* على شيء . ولا ينوي غير أن لا يتوقف .. يصطدم ببعض الأحجار ولا يتوقف ..
وترى هذه الأحجار إنما اعترضت طريقه لترسم لوحة من الجمال الباهر , لتكتب قصة الحياة , لتنشد أبياتا من الشعر ما قالها شاعر .. في منظرها والنهر المتدفق , وما حولهما أطرافه المعشوشبة وأشجار الغابة العتيدة , وبعض جذوعٍ ملقاة , قد تكاثرت فوقها النباتات والطفيليات بلون أخضر نضر جدا , في منظر ذلك كله تحار العين وينعقد اللسان فليس يقول سوى .. سبحانك ربي !
وفي موضع آخر حيث هيّئ النزول للزائرين جلسنا قريبا من النهر وصغارُنا . فمنهم من يقرأ سورة الرحمن , ومنهم ينشد النشيد " Subhan Allah .. glory be to Allah ", ومنهم من يطاول بقدمه صفحة النهر لينتعش بخميلته الباردة .. الوقت مضى عند النهر , وكأننا قضيناه في دقائق ! وللحديث عن جبال الدخان تتمة ,,
.............................
* مرّ لا يلوي على أحد : لا يقيم عليه ولا ينتظره ( الوسيط ) .

هناك ٩ تعليقات:

غير معرف يقول...

جمال !

* لا حياة لنا من دونك !
متابعون ..

غير معرف يقول...

إن قلنا إبداع .. فلن يكون اهل له سوى أنتي خالتي .
متابعة بصمت وبشوق وتلهف لكل مايكتب هنا .
على الهامش( تمنييت أشوفك هالمره بس لعلها في ظروف احسن :( )

رحيل يقول...

حكايتي ..

ولا لي بدونك !

لا عدمتكِ .

رحيل يقول...

الغالية منال

وجودك أبهجني ,

وأنعش زوايا مدونتي .

افتقدت رؤيتك ,

جمعني الله بكم في خير وعافية .

لا تقطعينا : )

شهيدة يقول...

هالواجب صارله عندي زمان وانشغلت كثير لاخبر حضرتك به .. فسأضعه على عجاله ولي عودة بعون الله لأقرأ ما طال شوقي لقرائته ..


( القوانين المتعلقة بحل هذا الواجب )

1/ اذكر أسم من طلب منك حل الواجب ..

2/ اذكر القوانين المتعلقة بحل هذا الواجب ..

3/ تحدث عن ستة أسرار قد لا يكتشفها من يقابلك للمرة الأولى ..

4/ حول هذا الواجب إلى ستة مدونين وأذكر أسمائهم مع روابط مدوناتهم في موضوعك ..

5/ اترك تعليق في مدونة من حولت الواجب عليهم ليعلموا بهذا الواجب ..

::

رحيل يقول...

أهلا شهيدة ..

وكما يقول الإخوة الشاميين :

تِكرم عينك : )

غير معرف يقول...

وانا مالي حظ
اول مرة ازور مدونتك
وانتي بهل نفسيه ياخسارة
كوني بخير

غير معرف يقول...

ما شاء الله


روعة

شكرا

غير معرف يقول...

ما شاء الله .

رحلاتك كثيرة !

شكراً:)

متابعة