الاثنين، ١٢ جمادى الآخرة ١٤٢٩ هـ

جبال الدخان 1

جبال الدخان العظمى
The Great Smoky mountains
1416هـ / 1996م




حِينَمَا تحْتَضِنُكَ الطَّبِيْعَةُ
تهْمِسُ فيْ أُذُنَيْكَ هَمْسَ مُحِبْ ..
أَنْ أَلْقِ عَنْ قَلْبِكَ العَنَا
وَاطْرَحْ ضَجِيْجَ الأَلَمْ
وَاصْغِ إِلى تَغْرِيدِ عُصْفُوْر
وَهَدِيْرِ جَدْوَل
وَوَقعَةِ وَرَقَةِ خَرِيْف
تخْبِرْكَ أَلا هَمَّ فيْ الدُّنْيَا يَسْتَحِقُّ مُعَانَاتك ..
تحْكِي لَكَ قِصّةَ جَمَال
تَعِدُكَ جَنَّةَ خُلْد ..
تُقَرِّبُ لَكَ معنى ..
وَتَسْبِقُ خَيَالَك
فَالنَّعِيْمُ الموْعُوْدُ لا يخْطرُ عَلَى قَلْبِ بَشَر ..

النَّعِيْمُ وَأَنْت ..
كِلاكُمَا مَوْعُوْدٌ بِلِقَاء
قُمْ , دَعْ عَنْكَ وَعْثَاءَ السَّفَر
تَخَفّف مِنْ أَحْمَالِهِ ,
لا تُلْهِيَنّكَ بُنَيَّاتُ طَرِيْقِه
وَشَمِّرْ .. وَاتَّقِد
كَأَنَّهَا تَقُوْل :
لَسْتُ وَأنَا أتَبَاهَى بَأَجْمَلِ الحُلَل
إِلا أَقَلَّ مِنْ جَنَاحِ بَعُوْضَة !

...

اقترح بعض الأصحاب أن نسافر في إجازة ما بين الرُّبعين * إلى أورلاندو حيث عالم ديزني في ولاية فلوريدا. وفي الواقع أنني استكثرت أن أقطع مسافات شاسعة إلى الولاية المشرقة . هكذا يسمون فلوريدا ؛ حيث تشرق الشمس كثيرا هنالك .
الشمس في بلدي كريمة باذخة العطاء , وإنني من عطائها لمترعة .
والشواطيء ما أكثرها في بلدي ! ألست ابنة الشرقية ؟!

أما عالم ديزني أو Disney World , فلم تكن لدي القناعة الكافية أن أقطع له الغابات والجبال ومئات الأميال , أن أقطعها لأجل مدينة ألعاب ! ولا أؤمن بأن مكثا في جوفها ثلاثة أيام بلياليها لأجل التقلّب في اللعب أمرا مسوَّغا في تقديري على الأقل .
لم أحبّذ هذه الفكرة على الإطلاق , نحن مسؤولون عن أوقاتنا وأموالنا وأسماعنا وأبصارنا . ثم إنني - في العادة - إن ذهبت لتسلية الصغار إلى مدينة ألعاب , فإنني أذهب قريبا من نصف اليوم .. ثم أعود مصطكّة النفس متكدّرة الخاطر , وإن كنت معهم في ساعات اللعب في غمرة السرور والحبور ..
هو لهو دنيوي , قد يُسبِغُك ساعات تبتعد فيها عن روتينك القاتل , عن همومك الثقيلة , لكنه لا يضمن لك انشراحا , ولا يأمّن لك اطمئنانا بعد ذلك ..

وصلتنا هذه الدعوة الكريمة للمرافقة , غير أننا ضحّينا برفقةٍ نحبها للأصحاب , مقابل إيماننا بمبدأ .
غادَر أصحابُنا الديار , وألمّ بي بعد ذلك السقم , كأنني أفتقد محلهم . والحق يقال , إنهم كانوا لي كالأهل حيث لا أهل في الغربة , وكانوا كالصديق العتيق حيث تنفصل زمانا ومكانا عن كل صديق ..
وبقي من بقي منهم يكرِمني في فترة المرض , ويقيل عثرتي وأنا أم صغار ..
فجزى الله صديقتي " هيا " خير الجزاء .
ثم في يومنا التالي وبعد أن شُفيت سافرنا وعائلة الصديقة إلى شيكاغو ..


وفي موسم آخر قريب رغبنا تعويض رحلة أورلاندو الطويلة , فاخترنا السفر إلى جبال الدخان العظمى , فعزِمنا أَمْرنا , واتخذنا عدّتنا , وركِبنا " سفارينا " ** , ميممين صوب جبال الدخان ..
كان مساء معطرا بالرّاحة والأمل . يشدو فيه الصغار , أن قد عُتقنا من المدينة الصغيرة " آثنز " . اتجهنا نحو الجنوب إلى سينسيناتي .. وقبل أن نتوغل في طريقها وقفنا عند محطة استراحة فصلينا فرضنا , ثم مسكنا الطريق حتى وصلنا سينسيناتي وبتنا ليلتنا فيها .
في صباح اليوم التالي واصلنا الطريق إلى ولاية كنتاكي , ومنها إلى ولاية تينيسّي , فالجبال العظمى تمتد على الولايتين تينيسّي ونورث كارولاينا , لا دليل لنا ولا رفيق إلا خارطة الطريق .
إن خرائط الطرق في الولايات المتحدة الأمريكية لوحدها شهادة جودة , حيث تنطق هذه الخرائط بالدقة والإتقان الذَين وهبهما الله للأمريكيين . فإنك إن وجدت رقما في الخريطة , وجدت ما يطابقه لوحة ماثلة أمامك في الواقع في كل حين . وكل طريق وكل جادة وكل زقاق قد سمي باسمه ورسم برسمه ورُقّم برقمه , ثم لا تجد بعد ذلك شيئا يذكر من السقطات التي نواجهها في طرقات وخرائط أخر !!!!!!


وصلنا إلى جبال الدخان في وقت النهار , وكان علينا أن نختار أحد الفنادق المنتاثرة على جانبي الطريق الرئيس في هذا المعلم السياحي , وتمتد الحيرة حين تمتد الخيارات . وصَلْنا إلى قرارنا , واتخذنا مسكننا في فندق صغير على الطريق الرئيسية التي تضم أهم مرافق السياحة . وقد كان خيارنا طيبا ..
لا تبتئس ولا تحمل همّ النظافة في تلك الفنادق وإن لم تصل إلى فئة الخمسة نجوم ..
كان باب غرفتنا في الطابق الأول . يتم الدخول إليه مباشرة من خارج الفندق كعادة أغلب الموتيلات هنالك , وتتوسط الغرف مجمعا للبرك المفتوحة .
لم يكن لدينا سوى بضعة أيام للرحلة , فكان يجب أن نخطط لها جيدا . جئنا بالمطبوعات التي تنتثر فيها مرافق السياحة . واخترنا قائمة منها تناسبنا , على أن نبدأ فعاليات الرحلة في صباح الغد الباكر ..
اعتدنا أن نأخذ جولة عامة في كل منطقة قبل أن تبدأ رحلتنا التفصيلية فيها ..
لاشك أن جبال الدخان هي أكثر ما نحن متحفزون له .
نريد أن نعاين الخبر ..
لم سميت جبال الدخان ؟

سفارينا عنيدة قوية المِراس , غير أن الطريق في جبال الدخان قد حفظ لها جانبا من طاقتها التي أُعدت لتسلق الجبل , تلك المنطقة بجميل طريقها جعلت السفاري تتهادى كطفل صغير تائهٍ في غابةٍ ملتفة الأغصان , مسرورٍ بمفاجآتها غير آبهٍ بمخاطرها .

إن طريق الغابات طريق وارف الظلال , حنونٌ حنون ..
كانت الأشجار الطويلة تغطينا فنكاد لا نرى قرص الشمس طيلة الطريق , إلا قليلا من شُعاعها الذي يبحث بين الأغصان عن خط سقوط على أرض الغابة أو طريقها المزفلت , فتكون حينئذ صورة الجمال . بل الطريق المزفلت ذاته كان جميلا يلتف وينعطف يعلو وينخفض , محفوف بالأشجار السامقة .. ومزخرف بنباتاتها , ومؤطرٌ بأعشابها النظرة , تحسبها لنظارتها وجمالها ما خرجت إلى الطريق قط ! لكنها في واقع أمرها دوما مطّرحة على الطريق , تطؤها الأقدام ويلفها النسيم , نسيمُ الغابةِ البارد الرطيب .. هنا قد تعرفنا السر !

لا أدري كم سيستغرق الحديث عن رحلة جبال الدخان , ومتى سأصل إلى أكثر مواقفنا فيها إثارة ..
موقفنا مع دب الغابة المرعب ..
حسبي الآن أن أعِد بأن للحديث تتمة ,,

........................................
* حيث نظام الدراسة نظام ربعي .
** سيارة جي إم سي سفاري .

هناك ١٠ تعليقات:

شهيدة يقول...

هل فاتني كل هذا :(:(

اعدت قراءه كل ما فاتني


واؤكد على البيعه :) .. متابعون حتى اخر نفس :):)


اعجبتني كثيرا الكلمات النثريه في بدايه التدوينه ...


دمتي بخير استاذة

غير معرف يقول...

حروفكم أسكنتنا على حافة جبل الدخان لكن لم تكتمل فرحتنا فقد فذهبتم بعدما أشعلتم في نفوسنا حب أكتشاف ذلك الجانب المجهول من تلك القارة الحالمة ..
و لقد زدتم من التشويق بأن أخذتمونا بين أحراش الغابة حتى وصلتم إلى دب الغابة ..فلم تكتمل السعادة فقد كتبتم لنا وعد للعودة بالزيادة...لذا و حتى يشرق الحرف مرة أخرى فسوف ننسج تكملة القصة حتى تظهر لنا كامل الحقيقة .
بارك الله فيكم ..
( ما بين الأسطر من الإيمانيات هي نسمات تعطر المكان و القلوب , فجزاكم الله خيراً و نفع بكم )

غير معرف يقول...

ياااه ،
جمال الوصف ودقته أعاد لي ذكريات الرحلة بتمام تفاصيلها !

غير معرف يقول...

رُسمتِ الرحلة في لوحة باذخة الجمال ..
وما قرأته كتِب بإيقاعٍ خاص .. وبنغمة متجددة ..

متشوقٌ لأرى مقطع الرعب بإحساسٍ جديد ..

غير معرف يقول...

السيره الذاتيه
او ماحدث معنا قليل من الناس الذين يشدونك بكتاباتهم
وانتم من هذا القليل
اشكر الظروف التي دلتني على مدونتكم
كونو بخير
حامل المسك

رحيل يقول...

أهلا بصاحبة الدار شهيدة : )

عودا حميدا ..

رحيل يقول...

الفاضل

نسيم نجد

حياكم الله ..

رحيل يقول...

الحبيبة حكاية

أسعدَني أن وافق الوصف ذائقتك !

رحيل يقول...

تكوين

لعل السر فيما ذكرتَ

أنه قد قرئ في موسم اختبارات

حيث تحلو كل قراءة !

آمل أن أصوّر ما ترتقب

بأفضل مما تتوقّع ..

حييت دوما ,,

رحيل يقول...

الأخ الكريم

حامل المسك

أهلا ومرحبا بكم في أحبار مسافرة .