الأحد، ٦ جمادى الأولى ١٤٢٩ هـ

شلالات نياغّرا .. خِبرة من زوايا متعددة !

1998م

إِلى العَزِيزَين أَحْمَدَ وَعُمَر .. لَقَدْ أَضْفَيْتُمَا عَلَى جَمَالِ الرِّحْلَةِ رَوْعَةً وَجَمَالا !




إن منطقة شلالات نياغَرا تمنحك فرصا متعددة ومتنوعة لمعاينتها ؛ فيُمكن السائحُ أن يركب السفينة التي تتجول في منطقة مصب الشلالات وتقترب منها كما أسلفت , كما يمكنه أن يستأجر طائرة عمودية "هليوكوبتر" فيحلق فوق الشلالات ويستمتع بمنظرها البديع , أو يمكنه أن يصعد البرج الموجود في الجهة الكندية "Skylon" ليرى أمامه الشلالات من منظرٍ علوي أخّاذ يشملها , وأجزاء واسعة من المدينتين معها ( بافالو الأمريكية وأونتاريو الكندية ) ..



ومن أجمل الخبرات التي يمكن أن يخوضها السائح رحلةٌ بالأقدام خلف الشلالات , وتكون في مجموعات سياحية ؛ حيث ينزل السوّاح إلى منطقة المصب , ويمشون في مسار يأخذهم إلى خلف هذه الشلالات .

وبرغم إحساسنا بجمال هذه الخبرة ورغبتنا في خوضها , إلا أننا قدّرنا أنها لا تناسب وجود الأطفال .. فلم نخضها ..

في الرحلة الثانية كنا قد رافقنا أختي وأسرتها إلى أونتاريو , وسكنا بادئ ذي بدءٍ في أحد الفنادق القريبة من جوازات كندا في مدينة بافالو الأمريكية .. وذلك بعد طريقٍ طويلٍ من مدينة نيويورك** .. قضينا جزءا كبيرا منه في التخلّص من الازدحام المروري في طرق مدينة نيويورك , وذلك في صباحِ يومٍ أطبقت فيه السماء سحبها ..
كان الطريق قد أخذ منا جلّ يومنا , إلا أن السفر في البلاد الخضراء ينطوي بأعجب ما يمكن أن يتخيل الفرد ؛ فالجبال والوهاد والسهول الخضراء , وبعض المزارع هنا وهناك , والأكواخ الصغيرة المتناثرة بجمال تُشعرك بأنك تتقلب في معرضٍ بهيٍ من الإبداع .. سبحان خالقه , ويدعوك إلى التأمل فيه والتفكّر , ونسأل الله نعيم الجنة !

ومما يزيد السفر راحةً وجود مناطق الاستراحة التي تقدّم خدماتها للمسافرين على الطرق , والحقيقة أننا نجد أن التوقُّف للصلاة أو للارتياح أو لقضاء الحاجة أيسرُ بمراحل شاسعة عما هو موجود لدينا , والله المستعان !
ومع ذلك تبقى للسفر مشقته , التي هي قطعة من العذاب .

أصبحنا في اليوم التالي , واجتمعت الأسرتين لتناول الإفطار . لقد كان صباحا جميلا , وكنا نشعر بانتعاشٍ كبيرٍ بعد يومنا السابق الذي قضينا جُلّه في السفر , وما زالت تلك اللحظات الجميلة المنتعشة التي اجتمعت فيها وأختي وبنيّاتنا , وما كان فيها من الأحاديث والفكاهة التي سرّت عنا , وأضحكتنا حد الإحراج يرن صداها في مخيلتي . ومن نعم الله أن يبعث الله إليك في أحلك الأوقات من يرفَع همّك , ويزيل وَحشتك , ويجدّد انتعاشك . ولقد كانت زيارة أختي وأسرتها من أكبر الهدايا التي تلقيتها في موسمٍ صيفيٍّ اكتظّ بفصلين دراسيين صيفيين مكثفين جدا , كنت قد أخذتهما لأنهي دراستي بشكل أسرع *** ..

إن الدخول إلى كندا من السهولة بحيث يشعر المسافر بأنه لم ينتقل بين حدود دولتين . وعلى خلافه الدخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية , ومع أن الشعب الأمريكي في مجمله شعبٌ ودودٌ مرحِّبٌ لكل من يزوره من خارج البلاد , إلا أن هذه اللطافة والدماثة سرعان ما تتبخر صورتها في الخيال حينما تواجه أي رجل أمن أمريكي .. فمن عظمة قامته , إلى تقطيبة جبينه , إلى غلظة لهجته تعرف أن وقت الجد جد , ولا مكان للعب أو العبث بأمن هذا البلد , تلك هي الرسالة التي كنت أقرؤها جيدا حينما أرى موظفي الجمارك , أو شرطة المرور , أو غيرهم ممن له شأن بالأمن ..

في هذه الرحلة كررنا تجربة المركب .. إلا أن السحب أضفت عاملا متغيرا عن التجربة السابقة , فقد كانت مطبقة ثقيلة . وفي هذه الرحلة صعدنا Skylon وهو برج مرتفع جدا مقابلٌ للشلالات في الجهة الكندية ... ولقد اخترنا صعوده في الليل , لأن الليل يحمل قصة أخرى للشلالات ..
فما قصتها ؟

ما إن تغيب شمس أونتاريو وبافالو .. ثم يجثم الظلام على المدينتين المتجاورتين , تستعد الشلالات لعرضٍ آخر بعد عروض النهار الطبيعية , غير أن هذا العرض يضفي عليها ألوانا صناعية , تماما كمساحيق التجميل التي تتخذها النساء عادة في المناسبات , لكنها تتغير وتتبدل وفق ما تمنحها الأضواء البعيدة المسلطة عليها .. تلك الأضواء تصدُر عن أجهزةٍ ثبّتت في مبنى عالٍ مواجهٍ للشلالات , وحين تنبعث منها الأضواء الملونة تسافر عبر الجو مسافةً ليست بالقريبة , لتنعكس بقوة على أسطح الشلالات .. فترى الشلالات قد اكتست مرة بلون أحمر , وأخرى بلون أزرق , وأخرى بأصفر , ثم أخرى بهم جميعا .. وهكذا تشعر أن الشلالات قد أضفت بعد كرمِها النهاريِّ كرما آخر يزين المدينة في الليل بأبهى ما تكون الزينة .. ****
ولرحلة الشلالاتِ وقفةٌ أخيرة , تكشِف سرّ تفضيلي البقاء في الفندق طيلة مدة الرحلة , مع أننا قطعنا لزيارة هذا المعلم البديع مئات الأميال ..

.......................................
* وتوجد وسائل أخرى كقاعات الأومنيماكس Omnimax ( الشاشات العملاقة ) , أو عروض المحاكاة والواقع الافتراضي Simulator غير أن ما يعيبها الجو الموسيقي الصاخب , ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه . .
** وسأفرد لرحلة نيويورك وجزيرة مانهاتن الشهيرة فيها تدوينة خاصة إن شاء الله تعالى .
*** وذلك خلال دراستي الماجستير في كلية " نسائية " .
**** إن المرتحل المسلم يعرف جيدا الأماكن التي تليق به أينما حل , وهو يؤدي رسالة هامة في حق نفسه ودينه ووطنه , فإما أن تكون هذه الرسالة رسالة ترقية , أو أن تكون رسالة خسران , فاختر أي الرسالتين تؤدي !

هناك ٩ تعليقات:

شهيدة يقول...

سبحااان الخالق

الالوان خطييرة فعلا .. ومنظرها الليليّ ساحر


سلمتِ وننتظر الجديد :)

رحيل يقول...

صديقة الأحبار
شهيدة
أهلا بك وسهلا ..

الشلالات على كل حال ساحرة وجميلة ..
سبحان بديع السموات والأرض ..

غير معرف يقول...

الصورة الأخيرة رائعة ..

بانتظار الجزء الأخير

غير معرف يقول...

مررتُ من هنا وعشتُ جمال الوصف

ما شاء الله

فاطمة أحمد

غير معرف يقول...

خالتنا العزيزة أم عبدالله
لم يكن جمال الرحلة إلا بروعة مرافقتكم لنا .
مدونة رائعه أعادت لنا كثيراً من ذكريات جميلة كانت بصحبتكم أولاً ثم بصحبة عمر رفيقنا
إبناكِ
أحمد وعمر

رحيل يقول...

غير معرّف

أشكركم من الأعماق ,,

رحيل يقول...

العزيزة

فاطمة أحمد

أشرقت المدونة بوجودك ..

لا تقطعينا : )

رحيل يقول...

العزيزان أحمد وعمر

ربما أطالبكما برفقة أخرى ..

جهزا الميزانية ,

ومني , يكفي سهم " روعة الرحلة " :)

أشرقت الأحبار ..

غير معرف يقول...

اتقي الله أختي العزيزة .. فما تكتبينه بأسلوبك الجميل هنا هو دعوة صريحة على استحياء للسفر إلى بلاد الكفر أو بلاد العهر .. وهو ما أفتي بحرمته علماؤنا الأجلاء في فتاواهم التي لم تشيري إلى واحدة منها . فالسفر إلى بلاد الكفار أو بلاد المسلمين التي فيها منكرات - وجميعها كذلك - كما يفتي علاماؤنا السلفيون - محرم ولا يجوز مهما كانت الأسباب والمبررات .. إلا في حالات ضعيقة لست منها في شيء . والله المستعان على غربة الدين في هذا الزمن .